الطاقات المتجددة
حلم الانتقال الطاقي..وآفاق اللجوء للموارد البديلة
منير بولعراس
يمثل اللجوء للطاقات البديلة والمتجددة أو الخضراء حلا مهما للإقتصاد الوطني، وفرصة لتحقيق معادلة التنمية وسلامة البيئة.
ويمثل اللجوء للطاقات الشمسية أحد الحلول التي اعتمدتها بلادنا عبر مخططها الشمسيالمندرج ضمن الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي، حيث شرعت الوزارة منذ سنة 2017 في تنفيذ مشروع “دعم المخطط الشمسي التونسي” الممول في إطار هبة من التعاون الألماني بقيمة 7مليون أورو أي ما يعادل حوالي 22 مليون دينار تونسي.
وقد ساهم هذا المشروع بشكل كبير في توفير الإحاطة الفنية اللازمة لتنفيذ البرنامج الوطني لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة للفترة 2017 -2020 في مختلف المستويات الفنية والمالية والتشريعية.
ومن أبرز إنجازات هذا المشروع هي مرافقة مختلف مراحل طلب العروض الخاص بتركيز 500 ميغاواط من الطاقة الشمسية الفولطاضوئية المبرمجة على خمسة مواقع مختلفة بكل من ولايات سيدي بوزيد والقيروان وقفصة وتوزر وتطاوين والتي أفضت إلى الحصول على تعريفات تنافسية للغاية بمعدل حوالي 71 مليما للكيلواط ساعة وهو يعتبر أدنى سعر متحصل عليه في مشاريع مشابهة في إفريقيا والمنطقة العربية والتي هي الآن في طور المصادقة بالبرلمان في انتظار دخولها طور الاستغلال في سنة 2022-2023، بالإضافة إلى إنجاز عدد من الدراسات الهامة وتنظيم العديد من الدورات التكوينية لفائدة مختلف المتدخلين في مجال إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة من القطاعين العام والخاص.
تطور نسبي هام
وقد ارتفعت مساهمة الطاقات المتجددة في انتاج الكهرباء في تونس، خلال سنة 2020 ، بنسبة 3 بالمائة مقارنة بسنة 2019، وفق معطيات للمرصد الوطني للطاقة والمناجم.
واضاف المرصد في وثيقة حول الظرف الطاقي لشهر ديسمبر 2020، ان انتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي تراجع بنسبة 2 بالمائة في حين ارتفع انتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة
واوضح ان الطاقات المتجددة تتوزع على طاقة الرياح بنسبة 4ر2 بالمائة وطاقة المياه بنسبة 2ر0 بالمائة في حين كان اداء الطاقة الشمسية ضعيفا .
وتوقع المرصد ان تدخل المحطة الفطوضوئية بتوز 2، بقدرة انتاج في حدود 10 ميغاوت والتابعة للشركة التونسية للكهرباء والغاز خلال فيفري 2021 وهو نفس تاريخ دخول محطة توزر 1 التي تتوفر على نفس المواصفات.
وكانتالصناعة منحت العام منحت الماضي 197 رخصة لانتاج الكهرباء بشكل ذاتي بقدرة انتاجية في حدود 79 ميغاوات في انتظار نشر 15 مشروع اخر بالرائد الرسمي بقدرة انتاجية جملية في حدود 7ر3 ميغاوات.
وبحسب المرصد فان المشاريع التي منحها لانتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية والفوطوضوئية عبر طلبات مشاريع سنة 2017 و 2018 و 2019 و 2020 تشهدا تقدما ولم تدخل طور الانتاج بعد
ويشار إلى ان اللزمات الممنوحة لانتاج 500 ميغاوات من الكهرباء كل من توزر وسيدي بوزيد وقفصة والقيروان وتطاوين لا تزال في طور الانجاز وكذلك الحال بالنسبة الى لزمة انتاج 300 ميغاوات باستخدام طاقة الرياح بنابل.
وتخطط تونس الى رفع مساهمة الطاقات المتجددة المستخرجة من الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الفطوضوئية الى زهاء 30 بالمائة من اجمالي الطاقة في البلاد بحلول سنة 2030
عجز طاقي
تعاني تونس منذ نحو 20 عاماً عجزاً في الطاقة يؤثر باستمرار في التوازنات المالية للبلاد، من منطلق أنها أضحت تستورد المحروقات “النفط والغاز” بالعملة الأجنبية، ما جعل استقلاليتها الطاقية مهددة، بخاصة مع استنزاف احتياطي النقد الأجنبي.
وتشير المعطيات إلى أن عجز ميزان الطاقة قدر بنحو 500 مليون دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2021، ومع تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية تتأثر موازنة تونس بإثقال مخصصات دعم المحروقات، ما يدفع إلى زيادة أسعار المحروقات بالبلاد، الأمر الذي تكرر ثلاث مرات خلال الأشهر الأولى من العام الحالي.
وخصصت الحكومة مبلغ 185 مليون دولار من ميزانية الدولة لعام 2021 (19.4 مليار دولار) واعتماد فرضية سعر البرميل بـ45 دولاراً، غير أن عودة نسق نمو الاقتصاد العالمي إثر الخروج التدريجي من جائحة كورونا جعل أسعار النفط في الأسواق العالمية تقفز إلى مستوى 70 دولاراً. وستحتم هذه الوضعية على الحكومة التونسية مراجعة فرضياتها بالتعديل المتواصل لأسعار البنزين في السوق المحلية، علاوة على تأثر تنافسية الشركات التونسية بفعل ارتفاع أسعار النفط.
قانون جديد
وللتذكير فقد سنت بلادنا في عام 2015 قانوناً جديداً يتمثل في إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة والنظيفة (الطاقة الهوائية والشمسية باستعمال اللاقطات الشمسية والألواح الهوائية)، بما سيمكن من إنتاج كهرباء بـ30 في المئة متأتية أساساً من الطاقات النظيفة في أفق عام 2030.
وعلى الرغم من المعارضة الشديدة من النقابات في شركة الكهرباء والغاز الحكومية لكون القانون سيكون مدخلاً للتفويت في الشركة وخصخصتها، فإن الحكومة تمسكت بتمريره على البرلمان وحظي بالمصادقة، بعد أن أقنعت حكومة يوسف الشاهد الأحزاب والمنظمات بجدوى هذا القانون، الذي اعتبرته ثورياً وسيدخل تونس مرحلة جديدة من الانتقال الاقتصادي.
يرى البعض إن هذا القانون سيساعد البلاد على المديين المتوسط والطويل في تقليص فاتورة توريد الغاز الطبيعي المتأتي من الجزائر بالعملة الأجنبية، إذ تراهن تونس بنسبة 97 في المئة على الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء، ما يكلفها موارد مالية كبيرة تثقل موازنة دعم المحروقات سنوياً”. يضيف “بحسب تقديراتنا فإن التعويل على إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة سيجنب البلاد صرف عملة صعبة أجنبية بقيمة 45 مليون دولار سنوياً، وسيجنب أيضا الانبعاثات الغازية وتلويث المحيط.
تشريك القطاع الخاص
وتعزيزا لقدرات المؤسسات الوطنية أقرت الحكومة إشراك القطاع الخاص في إنتاج الطاقات المتجددة واستغلالها، حيث تم منح مستثمرين من القطاع الخاص دفعة جديدة من التراخيص لإنتاج 500 ميغاواط من الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، في إطار خطة حكومية للانتقال الطاقي تهدف إلى إنتاج 3800 ميغاواط من الكهرباء عبر الطاقات المتجددة في غضون السنوات العشر المقبلة.
وتخطط تونس عبر السماح للقطاع الخاص بإنتاج الكهرباء إلى التخفيض من كلفة دعم الكهرباء من 200 مليم للكيلووات حالياً إلى 80 مليماً للكيلووات الواحد، فضلاً عن توفير 6 في المائة من كلفة توريد الغاز المنتج للكهرباء، أي ما يوازي 130 مليون دينار من الميزانية.
وقد أطلقت بلادنا 4 دعوات لاختيار شركات لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة.
كما أن اللجنة الفنية للإنتاج الخاص بالكهرباء سجّلت 57 طلباً خلال عملية الفرز للدعوة الرابعة التي جرت في مارس/ آذار الماضي. وأكد شيبوب في تصريح لـ “العربي الجديد” أن تونس دخلت مرحلة إنتاج الطاقة المتجددة من قبل القطاع الخاص، إذ بدأت شركة تونسية بيع إنتاجها إلى شركة الكهرباء الحكومية، فيما تستعد 3 شركات أخرى إلى ربط محطات الإنتاج بمحطات التزويد الكهربائي التابعة لشركة الكهرباء والغاز الحكومية.
بيت=نما استوفت 16 شركة أخرى كل شروط الإنتاج تتنظر التراخيص لبدء العمل وهي من جنسيات متعددة تراوح قدرتها على الإنتاج ما بين و1 و15 ميغاوات. وأكّد شيبوب أن معدل تعريفات الكهرباء المقترحة ضمن المشاريع التي تم اختيارها أخيراً ضمن الجولة الرابعة من التراخيص شهد انخفاضاً مقارنة بالجولة الثالثة بحوالي 8 و10 في المائة.
ومهدت تونس للانتقال الطاقي بالتشارك بين القطاعين الخاص والعام في إنتاج الكهرباء عبر قانون صادق عليه مجلس النواب قبل خمس سنوات، يحدد الإطار التشريعي لإنجاز مشاريع إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة، إما بهدف الاستهلاك الذاتي أو لتلبية الاستهلاك المحلي أو التصدير.
ويمنح الأمر الحكومي المتعلّق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة الشركات الخاصة حقّ الإنتاج الذّاتي للكهرباء وبيعه لكبار المستهلكين مع تحديد حدّ أدنى لذلك عبر القدرة الكهربائية المكتتبة، والتّمتع بحقّ نقل الكهرباء المنتجة عبر الشبكة الوطنية، وبيع الفوائض للشركة التونسية للكهرباء والغاز.
ودخلت الشركة التونسية للكهرباء والغاز منذ سنوات مرحلة التعثّر المالي بعجز مالي فاق ملياري دينار. ويدعم البنك الدولي مشروع شبكة نقل الكهرباء من الطاقات المتجددة من الجنوب التونسي إلى الشمال حيث تنتج الطاقة الشمسية بقرض قدرت قيمته بـ 150 مليون دولار. وتبحث تونس التي لا تنتج سوى نصف احتياجاتها في مجال الطاقة، عن تنويع مواردها وإنتاجها من خلال الطاقة الشمسية التي من المنتظر أن تغطي 30 في المائة من الإنتاج بحلول 2030.
جهد تشاركي لترشيد استهلاك الطاقة
ويمثل تعاون المواطنين والمؤسسات العمومية والخاصة عنصرا مهما لضمان تحسين الميزان الطاقي والتقليص من فاتورة العجز، وقد تم سن عديد المبادرات ولاتشريعات والحوافز في هذا الصدد، وذلك من أجل المساهمة في المجهود الوطني في هذا المجال في ظل ارتفاع أسعار المحروقات في السوق العالمية. وقد بلغ سعر برميل نفط خام برنت، الثلاثاء، 24 ر70 دولار أمريكي.
وفي هذا لاسياق حث منشور صادر عن رئاسة الحكومة في منتصف افريل 2019 على تفعيل دور المسؤول المكلف بالطاقة في الهياكل والمؤسسات والمنشات العمومية المطالب أساسا بمراقبة استهلاك الطاقة في مجال التدفئة والتكييف والتنوير ومتابعة فواتير الاستهلاك والحث على ترشيد استعمال الطاقة إلى جانب متابعة وتعهد المعدات المقتصدة للطاقة.
ومن جانب آخر خصص المنشور الحكومي حيزا لدور الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة من خلال إمكانية أن تتولى تنظيم ملتقيات دورية لفائدة المسؤولين عن الطاقة بالهياكل العمومية وتامين الإحاطة بهم وتنمية قدرات الأعوان المعنيين.
ودعت الحكومة إلى أنه يتوجب ترشيد استهلاك المحروقات المخصصة لمختلف وسائل النقل الإدارية واعتماد التكنولوجيات الحديثة للتواصل الى جانب تجهيز الورشات داخل المؤسسات والمنشآت، التي يتوفر لديها أسطول كبير من السيارات الإدارية، لإجراء الكشف الطاقي للمحركات بالإضافة إلى إرساء نظم مراقبة داخلية للأسطول بهدف تشخيص وتفادي أسباب الاستهلاك المشط في الإبان.
وشددعلى عدم اللجوء إلى التنوير الكهربائي خلال حصص العمل كلما سمحت الإنارة الطبيعية بالاستغناء عن ذلك والحرص على إطفاء الأنوار الكهربائية مباشرة بعد نهاية العمل. كما أوصى ذات المنشور بضرورة التعهد بصيانة التجهيزات المعتمدة في انظمة التدفئة والتكييف قبل موعد انطلاق تشغيلها بصفة دورية واستعمال الطاقة المتجددة كلما امكن ذلك مع الحرص على استعمال الوسائل المقتصدة للطاقة واعتماد النجاعة الطاقية كمؤشر لتحديد الشراءات واحترام درجات الحرارة المرجعية (20 درجة للتدفئة و26 درجة للتكييف).
وجاء المنشور الحكومي في الوقت، الذي يشكل فيه العجز الطاقي ثلث الحجم الجملي لعجز الميزان التجاري لتونس، الذي تجاوز 19 مليار دينار خلال سنة 2018 وفق خالد بن عبد الله المدير العام للتجارة الخارجية بوزارة التجارة في جانفي 2019.
وبيّن بن عبد الله، أن تدهور الميزان الطاقي ساهم بنسبة 65 بالمائة من تفاقم العجز التجاري، موضحًا أن تفاقم العجز الطاقي، الذي يثقل حاليًا ميزانية الدولة وتوازنات تونس المالية مع الخارج، يعود إلى 3 عوامل، يرتبط أولها بارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية بما يزيد عن 40 بالمائة ليفوق سعر برميل البرنت 80 دولارًا في أكتوبر/ تشرين الثاني 2018.
ويعود هذا العجز الطاقي كذلك إلى تطوّر الاستهلاك الوطني من الطاقة، خاصة مع تحسّن مستوى عيش التونسيين، وزيادة استعمال المكيفات والسخانات، علاوة على تقلّص الإنتاج المحلي من النفط بنسبة 40 في المائة، مقارنة بسنة 2010، نتيجة تراجع الأنشطة الاستكشافية.